Thursday, September 5, 2013

شِبه الشَّر - بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث




شِبه الشَّر

 
في مفهوم الناس إن أي تصرُّف أو أي عمل: إمَّا أن يكون خيراً، أو أن يكون شراً. ولكن أن يكون شبه شرّ، فربما لا يكون هذا المفهوم وعملنا الآن هو أن نشرح هذا الأمر

«« هناك أمور قد لا تكون شراً فى ذاتها، ولكنها لا تليق، فهى شبه شر. مثال ذلك إنسان يمضغ لباناً وسط الناس أو في إجتماع. ليس هذا شر فى ذاته ولكن لأنه أمر غير لائق يُعتبر شبه شر، أو شخص يغنى كما يشاء ويرفع صوته فى الطريق

«« هناك أمور أخرى ليست شراً فى ذاتها، ولكنها إذا تحولت إلى عادة تتسلط على إرادة الإنسان حينئذ تُصبح شراً. لأن كل ما يُفقد الإنسان حرية إرادته هو شر بلاشك. وهكذا تكون المرحلة المتوسطة قبل تكوين العادة المسيطرة هى شِبه شر. لذلك عليك أن تبتعد عن كل شيء يتحول عندك فيما بعد إلى عادة مسيطرة. فى حالة الوصول إلى العادة المسيطرة يكون الأمر شراً واضحاً. أمَّا فى مرحلة الوصول إلى ذلك يكون الأمر هو شبه شر

«« عليك أيضاً أن تبتعد عن كل ما يُسبِّب ضرراً لغيرك، حتى لو لم تكن تقصد إطلاقاً هذا الضرر ولا يخطر لك على بال. مثال ذلك ما يحدث من البعض فى زيارتهم للمرضى. وقد يكون مريض فى مستشفى وفي حالة تعب، والكلام معه يتعبه ويجهده. ويزوره أحد معارفه أو أصدقائه ويتكلَّم معه كثيراً وهو لا يدرى أن الكلام يتعبه. ويكون ذلك شبه شر. فإن أتعب المريض فعلاً أو أضره يتحوَّل الأمر إلى شر ... أو مريض آخر فى مستشفى يحتاج فى مرضه إلى كمية من الأوكسجين. ورُبَّما يُركِّبون له فى حجرته أجهزة الأوكسجين. ويزدحم مُحبِّوه فى غرفته بالمستشفى. وطبعاً يتنفسون ويأخذون كمية من الأوكسجين، ويتركون له كمية من ثاني أكسيد الكربون. وبهذا يضرونه وهم لا يعلمون ولا يقصدون. ويضطر الطبيب أن يخرجهم من حجرة المريض وهم واقعون في شبه شر

مثال آخر لشِبه الشرَّ، هو إنسان كثير الإلحاح. والإلحاح في ذاته ليس شراً إن كان في حدود المعقول. ولكن قد يزداد الإلحاح إلى درجة تُتعب الأعصاب. فيضطر السامع أن يقول: كفى أرجوك. لقد عرفت ما تطلب أو ما تقصد. فينصرف بعد أن يكون قد وقع في شِبه شر ... ومثل الإلحاح كثرة الشروحات أو تكرار الكلام، التي تكون بدرجة مُملَّة أو مزعجة. وبخاصة في موضوعات لا تحتاج إلى الشرح الكثير والتكرار الكثير. ويزداد الأمر إن كان السامع شديد الذكاء ويدرك ما يُقال له من أوَّل جملة. ويكون التكرار والشروحات ضغط على أعصابه. إن الشرح في ذاته ليس شراً ولكنه قد يتحوَّل إلى شبه شر

«« مثال آخر هو زيارة صديق عزيز لك على غير موعد. بسبب الدالة والمحبة جاء إلى زيارتك، ولكن في وقت لا يعرف فيه هل هو مناسب أم لا؟ وهل تستطيع أن تتفرَّغ له أمْ لديك ما يشغلك؟ ويجلس، وتطول الجلسة. وأنت مُتضايق وبسبب المحبة لا تستيطع أن تظهر ضيقك. ويبدو أنه لم يضع حداً لنهاية زيارته! لا شك أن مثل هذه الزيارة للصديق العزيز قد دخلت في شبه شر. وإن طالت جداً وأتعبتك وأضاعت وقتك تتحوَّل إلى شر. وبالمِثل المكالمات التليفونية، بغير موعد وبغير وقت محدد. وقد يكون إنسان مع ضيوف له في بيته أو في مكتبه، يتحدَّثون معه في أمور هامة جداً. ثم يرن جرس التليفون، ويظل المُتكلِّم يتحدَّث في موضوعات طويلة، وهو لا يعبأ بالإجتماع وما يدور فيه، أو لا يعرف. ولا يسأل هل صاحب التليفون مشغول أو غير مشغول. من أجل هذا يضطر البعض إلى إتخاذ إجراءات لمنع الإتصال التليفوني في أوقات مُعيَّنة. هناك أمور رُبَّما لا تدركها، ولا تعرف هل تضر أو تضايق الطرف الآخر، ولكنها أمور تحتاج إلى حساسية وإلى ذكاء كي تدرك. وإلاَّ فإنك تدخل في شبه شر، أو تصبح غير مقبول في معاملاتك هذه مع الآخرين

«« معروف أن عدم دفع الأجور لمستحقيها هو شر في ذاته. ولكن يدخل في شبه الشر أيضاً، تأخير دفع الأجور. ذلك لأن البعض لا يُبالي ويقول: أدفع للعامل أجرته باكر أو بعد باكر أو ف
يما بعد. دون أن يدري إحتياج هذا العامل إلى أجرته وبسرعة، إن مثل هذا التأخير هو شِبه شر ... وبنفس المنطق تأثير دفع المساعدة لفقير. فلا يجوز أن تقول للمحتاج إذهب الآن وتعال غداً فأعطيك. بينما يكون ما يحتاجه موجوداً عندك. فهذا أيضاً شِبه شر

ويدخل في شِبه الشرِّ أيضاً التَّشدُّد في الثمن في البيع والشراء. وقد يكون في هذا ضرر للبائع أو المُشتري يحتمله مضطراً. ولا يظن المُتشدِّد في الثمن أنه قد ارتكب شرَّاً. لأن الصفقة تمَّت بموافقة الطرف الآخر (المُضطر). ولا شك أن هذا التَّشدُّد شِبه شر. فإن كان يحدث ضرراً واضحاً يكون شراً كاملاً

وبالمِثل الطبيب الذي يفرض مبلغاً ضخماً لإجراء عملية. وأيضاً كل صاحب مهنة، محامياً أو محاسباً أو مُدرِّساً، ومن شابه ذلك، بنفس التشدُّد في فرض أجرة عملية. وقد يدَّعي صاحب هذه المهنة أنه لم يرغم الذي يدفع له على التعامل معه. بينما يكون ذلك مضطراً، إذ كان يثق بكفاءة صاحب هذه المهنة

«« ومن الأشياء التي تدخل في شِبه الشرِّ، الوقت الضائع بلا سبب جوهري. وقد يقول الشخص أنا لم أعمل في هذا الوقت أي شيء خاطئ! فنقول له وأيضاً لم تعمل فيه أي شيء نافع هو شِبه شرّ

هناك نوع آخر من شِبه الشرِّ، هو وقوف النمو في عمل الخير. فالمفروض الإنسان الروحي الذي يسعى إلى الكمال، أن ينمو باستمرار. وإن توقَّف نموه يكون هذا شِبه شرّ

ومن ضمن الأشياء التي تدخل في شِبه الشرِّ، أم
ور ليست شراً في ذاتها، ولكنها تنتهي إلى شر ... مثال ذلك علاقة تبدو بريئة في ذاتها. ولكنها بالوقت والإستمرار تنتهي بخطيئة. لذلك يحتاج الأمر إلى حكمة وتمييز للمواقف وما تنتهي إليه الأمور على المدى الزمني. ومن شِبه الشرّ أيضاً المواقف السلبية التي لم يفعل الإنسان خيراً ولا شراً. ولكنه كان ينبغي أن يأخذ موقفاً إيجابياً في الخير
 
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
 

Share

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News