Friday, September 28, 2012

شركة القديسين


أواخر الأيام وحياة الدهر الآتي

الدينونة العامة للبشر

وسيأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات

قانون الإيمان

شركة القديسين

قانون الإيمان الرسولي

والآن فإنَّ التاريخ البشري، وقد بلغ محطته النهائية، ها هو الآن يقترب من مصيره النهائي، ومعه يبدأ الدهر الجديد، أو الدهر الآتي. ولنتذكَّر كلمات القديس غريغوريوس اللاهوتي: خالق الزمن... ليس خاضعاً للزمن


ما هي شركة القديسين؟ الكنيسة هي شركة. ليست شركة فقط بين الأحياء بعضهم البعض، بل وأيضاً مع الذين رقدوا في الإيمان، ومع كل المؤمنين الآتين في المستقبل


الليتورجيا المستمرة

الحياة الأبدية مع الله تأتي بالبركة التي لا تُقارَن بأية بركة، أي بركة الشركة بين الأشخاص: إنها أولاً الشركة مع الله وسط شركة القديسين مع الله، أي مع كل مَن يعكس صورة قداسة الله: الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ. لوقا 23: 43، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. يوحنا 12: 26، لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 1: 23، هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. رؤيا يوحنا اللاهوتي 14: 4. هذه هي الجماعة المحتفلة بالليتورجيا الدائمة، وهي تضم كلاًّ من المؤمنين الأحياء والمؤمنين الذين رحلوا، والذين - كلاهما - يتمتعون بالحياة الأبدية مع الله

في قانون الإيمان المُسلَّم من الرسل، وَرَدَ بند شركة القدِّيسين، وقد ردَّده كثيرون من الكُتَّاب المسيحيين في القرون الأولى. وكلمة قديسين تشير إلى المؤمنين المُعمَّدين الذين سيرتهم تعكس وتُعلن إيمانهم ورجاءهم في قوة القيامة من بين الأموات

الشركة مع مَن؟ الجماعة المؤتلفة معاً، المُسمَّاة في اللغة اليونانية
koinonia
التي تضم القديسين، هي موضوع تكرَّر ذِكْره في أسفار العهد الجديد التي تُشير إلى كِلاَ الشركة مع الله، وأيضاً الشركة مع كلِّ الذين لهم شركة في حياة الله: رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. رسالة يوحنا الرسول الأولى 1: 2 - 3. والمسيح نفسه صلَّى إلى الآب لكي كل جماعة الإيمان: يَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ. يوحنا 17: 11


هذه الوحدة تنبثق من شخص المسيح الذي هو الرأس، الذي فيه يتماسك الجسد كله، ويلتحم، بفضل جميع المفاصل التي تقوم بحاجته، حتى إذا قام كل جزء بعمله الخاص به، نما الجسد كله وتكامَل بنيانه بالمحبة (أف 4: 16 - الترجمة العربية الحديثة)، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ. رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 4: 16. وهؤلاء الذين وُلدوا الولادة الثانية بالمعمودية، وتقدَّسوا بالروح القدس الممسوحين به في سرِّ المسحة المقدسة، هم الذين يُكوِّنون المجتمع الجديد، شعب الله: اللاؤس
laos
الجديد المذكور في سفر الرؤيا 21: 3 هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ. رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 3، وتنبَّأ عن ذلك هوشع النبي: هناك يُدْعَوْن أبناء الله الحي، لكِنْ يَكُونُ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُكَالُ وَلاَ يُعَدُّ، وَيَكُونُ عِوَضًا عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَسْتُمْ شَعْبِي، يُقَالُ لَهُمْ: أَبْنَاءُ اللهِ الْحَيِّ. هوشع 1: 10. كَمَا يَقُولُ فِي هُوشَعَ أَيْضًا: سَأَدْعُو الَّذِي لَيْسَ شَعْبِي شَعْبِي، وَالَّتِي لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً مَحْبُوبَةً. وَيَكُونُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ: لَسْتُمْ شَعْبِي، أَنَّهُ هُنَاكَ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ الْحَيِّ. رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 9: 25 - 26. ونجد نفس النبوَّات في 2كو 6: 16 أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 6: 16 ؛ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ. رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 9 - 10

هذه الجماعة أو المجتمع الجديد سُمِّي بأنه الملكوت: ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. متى 25: 34 ؛ رؤ 1: 6: وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 6
كما سُمِّي هذا المجتمع وهذه الجماعة: مدينة (عب 11: 16،10): المدينة التي لها الأساسات، مدينة الله الحي، أورشليم السماوية
لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ. رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 11: 10
وَلكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَنًا أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيًّا. لِذلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً. رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 11: 16
محفل ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات عب 12: 22 ، 23 بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةُ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ. رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12: 22 - 24 ، مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ. رؤيا يوحنا اللاهوتي 3: 12

هذه الشركة تضم المؤمنين في الماضي والحاضر والمستقبل: هناك وحدة واتحاد بين المؤمنين على الأرض وبين المؤمنين في السماء، والذي يجمعهما كليهما هو الشركة المشتركة مع الرأس الواحد، والشركة كل واحد مع الآخر. شركة تُساندها الصلاة، ويُؤازرها الإيمان المشترك، ويضمها الرجاء الواحد في حياة الدهر الآتي، ورباطها المشترك هو المحبة

شركة القديسين ليست قاصرة فقط على الكنيسة المنتصرة في السماء، ولا هي ببساطة قاصرة فقط على الكنيسة التي على الأرض. إنها الكنيسة التي تربط أعضاء جسد المسيح على الأرض وفي السماء معاً، يقول عنها القديس إيرينيئوس (القرن الثالث): إنها الكنيسة الكائنة في التاريخ، ولكنها فوق التاريخ. إنها الجسد السرِّي للمسيح والمتَّصلة اتصالاً حقيقياً بكل الكنوز الروحية. فهي تضم المؤمنين الأحياء وكل ذوي الأصوات المحتفلة بالليتورجيا في المدينة السمائية. بعضهم ما زالوا سائحين غرباء على هذه الأرض، في التاريخ؛ بينما البعض الآخر رقدوا في الرب، فهم ممتلئون فرحاً لأنهم يُعاينون الله نفسه

السائحون والمنتصرون كلاهما يُشاركان


في شركة القدِّيسين الواحدة

فالوحدة التي استُعلنت يوم الخمسين (يوم حلول الروح القدس) هي الثمرة الأولى (الباكورة) للوحدة الأزلية الكاملة بين الآب والابن، والتي ستُعرف في كمالها، فقط حينما سينجمع كل شيء في المسيح في مجده حينما يظهر في مجيئه الثاني. والرب الذي سيجعلها كلها في وحدة كاملة في الدهر الآتي هو الذي يحثُّنا الآن أن نسعى إلى تحقيق هذه الوحدة التي يريدها المسيح لكنيسته على الأرض الآن. فإن كانت الوحدة بين أعضاء جسد المسيح المنتصرين في السماء قد اكتملت؛ إلاَّ أنَّ الوحدة بين السائحين الغرباء على الأرض مشوَّهة، متصدِّعة، ناقصة غير كاملة، لذلك فوحدتها كاملة جزئياً وغير كاملة جزئياً، في نفس الوقت، ومع كنيسة القديسين في السماء

وبينما الجهاد الروحي للكنيسة السائحة على الأرض مستمر ودائم، فإنَّ الكنيسة المنتصرة، وقد نالت حريتها في السماء، تتهلَّل وتفرح أمام المسيح؛ لذلك فهي تُصلِّي وتتشفَّع أمام الله من أجل الكنيسة المجاهدة على الأرض لكي تتقوَّى وتتشجَّع وتثبت في جهادها على الأرض. وهكذا تظل الكنيسة الواحدة في السماء وعلى الأرض، بالرغم من ذلك، في شركة ووحدة بسبب الصلاة المشتركة التي تُرفَع في السماء ومن على الأرض، الواحدة من أجل الأخرى

شركة القديسين الفائقة على التاريخ تتوحَّد وتتشارك بالصلاة مع شفاعة المسيح الدائمة من أجل الكنيسة المجاهدة في التاريخ على الأرض. ولهذا تشترك الكنيسة على الأرض في تذكار القديسين في السماء بصفة دورية في ليتورجيتها، تعبيراً دائماً ومُتمِّماً لهذا البند في قانون الإيمان الرسولي الخاص بـ شركة القديسين (كما يتضح ذلك في صلاة مجمع القديسين في القدَّاس الإلهي): لأن هذا يا رب هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك في تذكار قدِّيسيك


سرُّ الشركة، أي سرُّ الإفخارستيا

وتظهر شركة القديسين في جماعة العابدين السمائية الملائكية على الأرض مع مجمع أرواح الأبرار المُكمَّلين من الرجال والنساء والأطفال الذين رحلوا، كما يذكر ذلك سفر العبرانيين: أتيتم... إلى مدينة الله الحيِّ، أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات، وإلى الله ديَّان الجميع، وإلى أرواح أبرار مُكمَّلين، وإلى وسيط العهد الجديد، يسوع. عب 12: 22 - 24. بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةُ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ. رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12: 22 - 24

إنه الاحتفال الأبدي الذي سبق وبدأه المسيح وهو على الأرض يوم خميس العهد بتقديم جسده ودمه الأقدسين عن حياة العالم، غفراناً للخطايا وحياةً أبدية لكل مَن يتناول منه - الاعتراف الأخير قبل التناول في القدَّاس الإلهي

لهذا السبب يُطلَق على سر الإفخارستيا اسم سر الشركة المقدسة. فالمؤمن يشترك مع المسيح ويشترك مع المؤمنين الآخرين حسب قول القديس بولس: فإننا نحن الكثيرين خبزة (بالمفرد) واحدة، جسد واحد، لأننا جميعنا نشترك في الخبزة الواحدة (1كو 10: 17) كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ. رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 10: 16 - 17 ، نتغذَّى على جسد المسيح ودمه الأقدسين، حيث تجعلنا الشركة مع المسيح قادرين على أن تكون شركتنا - نحن المؤمنين - بعضنا مع البعض حقيقة حيَّة: لأن خبز الله هو النازل من السماء، الواهب حياةً للعالم. يوحنا 6: 33
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الْخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ، لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ. فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَعْطِنَا فِي كُلِّ حِينٍ هذَا الْخُبْزَ.  فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا. يوحنا 6: 32 - 35

إن الشركة مع المسيح والشركة مع الآخرين، النابعة من سرِّ الإفخارستيا، ربما تكون غير واضحة للكثيرين من المؤمنين، ظانِّين أننا ننال مجرد بركة أو غفراناً للخطايا (وسر الإفخارستيا يحمل هاتين النعمتين فعلاً)؛ ولكن ليتنا نحسُّ بنعمة الشركة مع شخص المسيح، والتأكيد على كلمة مع، وكذلك نُمارس نعمة الشركة مع الآخرين، لأن هذه الشركة مع المسيح وكل مؤمن مع المؤمنين الآخرين هي سَبْق تذوُّق حياة الملكوت في الدهر الآتي القائمة على أننا سنكون مع المسيح كل حين، وسنكون نحن مجمع الشركة المقدسة مع أرواح الأبرار الذين سبقونا والذين نُعاصرهم الآن أو نحيا معهم في الدهر الآتي

وهكذا كان الحال منذ بدء الكنيسة في عصر الرسل، حينما كان تلاميذ المسيح (أي كل مَنْ آمن) يستمرون في الحياة حسب تعليم الرسل وفي الشركة بعضهم مع البعض، يشتركون في كسر الخبز (أي الإفخارستيا)، وفي الصلاة، وفي الاعتراف بخطاياهم، واعظين بعضهم بعضاً بكل ما علَّم به المسيح، متشاركين معاً في كل أموالهم ومقتنياتهم، بل ومتشاركين معاً في تقديم أشخاصهم بعضهم للبعض لمجد المسيح أع 2: 42-44؛ رو 12: 5،4؛ 1كو 12: 12؛ أف 4: 16،15
وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ. وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. أعمال الرسل 2: 42 - 44
فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 4 - 5
لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا. رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 12: 12
بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ. رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 4: 15 - 16


الحياة في جماعة المؤمنين

الموت لا يَفصم عُرَى العلاقات الشخصية للمؤمنين، بل هو يرفع هذه العلاقات إلى أعلى مستوى من الشركة الحقيقية القائمة على تسبيح الله وشُكره ومَدْح مجد نعمته، وهذا هو العمل المحوري الأساسي لكل صلوات الليتورجيا: نُسبِّحك، نُمجِّدك، نعترف لك... إلخ

المؤمنون في هذه الحياة لا يمكن أن ينفصلوا بعضهم عن البعض، لأنهم لا يمكن أن ينفصلوا عن المسيح. إنها شركة حقيقية ودائمة لكل واحد مع المسيح، وكل واحد مع كل مَن يشترك في الحياة التي في المسيح. المسيح لَبِسَ بشريتنا الضعيفة المائتة، فالذي يشترك مع المسيح من خلال جسده ودمه الأقدسين لابد سينال معه - بالضرورة - القيامة والحياة الأبدية. وبدون هذه الشركة المزدوجة: مع المسيح، وكل واحد مع الآخرين؛ لن تكون كنيسة، ولن تكون شركة القديسين

والمدعوون لهذه الشركة لا يعيشون في انفصال عن الجماعة المؤمنة المشتركة في حياة المسيح؛ بل هم يُشاركون في هذا الاتحاد المُبهج مع شركة القديسين: إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتَّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات، ولكن الرب يُكمِّل قوله بحُكْم مؤسف: وأما بنو الملكوت (أي الذين ليست لهم شركة في حياة المسيح ولا مع الآخرين الذين لهم الشركة في حياة المسيح، بالرغم من أنهم بحسب الاسم يُطلَق عليهم اسم المسيح) فيُطرحون (للأسف) إلى الظلمة الخارجية. مت 8: 11 - 12. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. متى 8: 11 - 12 ، ويُشبَّه الملكوت بـ وليمة العُرس. مت 22: 2. يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لابْنِهِ، وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إِلَى الْعُرْسِ، فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا. متى 22: 2 - 3

ليت الرب يمنحنا أن يكون لنا مكان منذ الآن في شركة القديسين، وليتنا نحفظ هذه النعمة وندوم فيها؛ حتى يكون لنا نصيب في شركة القديسين في الدهر الآتي في شركة مع المسيح ومع سائر القديسين في كل الأجيال، آمين



مجلة مرقس – رسالة الفكر المسيحي للشباب والخُدَّام – يصدرها دير القديس أنبا مقار – ببرية شيهيت – السنة 56 – العدد 532 – مارس 2012م – أمشير / برمهات 1728ش


http://www.stmacariusmonastery.org/
http://www.stmacariusmonastery.org/st_mark/sm031206.htm


Share

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News