Saturday, February 28, 2009

من حيل الشياطين

ما أكثر حيل الشياطين‏:‏ إنها لاتنتهي إن لم تصلح حيلة منها‏،‏ يستبدلها بغيرها‏،‏ إلي أن يصل إلي غرضه‏.‏ وليست هناك خطة واحدة أمامه لتوصله‏.‏ بل يتخذ لكل حالة مايراه مناسبا لها‏،‏ دون أن يتقيد بشيء علي أنه من أشهر حيله الواضحة المتكررة بضعة أساليب صارت معروفة ومحفوظة‏،‏ نذكر منها‏.‏

‏1 ‏ ـ خطبة تلبس ثوب فضيلة‏.‏
ما أسهل أن يقدم لك الشيطان بعض الخطايا بأسماء غير أسمائها‏،‏ بأسلوب يسهل قبوله بحيث تلبس ثياب فضائل‏:‏

فالدهاء أو الخبث يطلق عليه اسم الذكاء ويقدم القسوة في معاملة الأبناء باسم الحرص علي تأديبهم بحيث إن لم يستخدم الأب القسوة‏،‏ ضميره يوبخه‏،‏ والتبرج‏،‏ والتزين غير اللائق‏،‏ يقدمها باسم الأناقة والنظافة‏،‏ والتهكم علي الناس والاستهزاء بهم يقدمه علي أنه لطف وظرف‏،‏ ومحبة ودالة‏،‏ وخفة روح‏،‏ ومحاولة للترفيه‏.‏

إن الشيطان لايقدم الخطية مكشوفة لئلا يرفضها الإنسان الحريص ـ بل يقدمها باسم مقبول‏،‏ وهي هي ولافرق‏.‏ يقول إنني سأدخل مع هذا الشخص في حرب مسميات‏،‏ وأسقطه كما أريد‏،‏ ربما دون أن يشعر‏،‏ أو قد يشعر‏،‏ وضميره لايبكته فلو أنني دعوته إلي الرياء ـ بهذا الاسم المنفر ـ فلن يقبله‏.‏ اذن ماذا أفعل؟ أسميه عدم إعثار الآخرين أو القدوة الحسنة‏.‏

قال السيد المسيح‏:‏ تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم قربانا لله‏.‏ ويقينا إن الشيطان يقدم القتل إلي أولئك الناس‏، علي أنه غيرة مقدسة‏،‏ أو دفاع عن الدين‏،‏ أو تطهير للأرض من الخطاة‏.‏

والكذب يمكن أن يقدمه الشيطان تحت اسم الحكمة‏،‏ أو كنوع من حسن التصرف‏، أو انقاذ للموقف‏!‏ والطبيب قد يكذب علي المريض في تسمية نوع مرضه‏.‏ ويعتبر هذا أمام ضميره أنه حفظ لمعنويات المريض‏،‏ وحمايته من الانهيار لكي يشفي‏، والبعض يسمي بعض أنواع الكذب الأبيض‏!‏ وما أشهر مايسمونها‏(‏ كذبة‏)‏ أبريل كنوع من الدعابة أو الفكاهة‏!‏

وبهذا الشكل ما أسهل أن يسمي الشيطان الرقص المعثر باسم الفن‏.‏ وكذلك الصور العارية والماجنة هي أيضا فن‏،‏ وبالمثل التماثيل العارية أيضا‏،‏ وبعض التمثيليات التي يقولون عنها للرجال فقط‏!‏ وتحت اسم الفن يخفي الشيطان كثيرا من الخطايا والمعثرات التي لاتستحق اسم الفن‏.‏ فالفن الحقيقي له اسم جميل ومحترم‏.‏

إلباس الخطية ثوب الفضيلة هو حيلة ماكرة من الشيطان‏.‏ أتراه يدعو البخل بخلا؟‏!‏ ما كان أحد اذن يقبله‏،‏ ولكنه يسميه حسن تدبير المال أو حفظ المال لحاجة المستقبل أو يسميه عدم التبذير أو عدم الإسراف‏!!‏

وإذا أراد الشيطان أن يمنع غنيا من أن يدفع للفقراء‏،‏ يقول له‏:‏ ليس من الخير أن تعلمهم الشحاذة‏،‏ أو تعودهم علي التشرد والتواكل‏.‏ إن عدم إعطائهم هو حكمة وعين الحكمة‏.‏ لكي يبحثوا عن عمل‏،‏ ويأكلوا خبزهم بعرق جبينهم حسب الوصية؟‏!‏

إن إعطاء الخطية اسم فضيلة‏،‏ يشجع الناس علي الاستمرار فيها‏،‏ ولايبكتهم ضميرهم علي مايفعلون‏.‏ احترس اذن من المسميات الخاطئة‏،‏ ولاتسمح للشيطان أن يخدعك‏، فإن الخطية هي خطية مهما اختفت وراء اسم آخر‏.‏

‏2‏ ـ من حيل الشيطان أيضا‏:‏ الأمور الصغيرة‏:‏
إن الخطايا الكبيرة الواضحة الدنس‏،‏ يحترس منها الإنسان الحريص علي نقاوته‏،‏ ويفر منها‏:‏ لذلك فالشيطان يؤجل محاربته بها‏،‏ مادام هو منتبها لها‏.‏ أما الأمور الصغيرة‏،‏ فيحاربه بها‏،‏ لأنه لايحترس منها‏،‏ ولايهتم بها‏..‏ ويظن أن مثل هذه الأمور الصغيرة‏،‏ إنما تحارب المبتدئين والصغار‏..‏ ويقول‏:‏ أما نحن قد كبرنا عن أمثال هذه الأمور‏.‏ لهذا يحاربه الشيطان بها‏.‏

فما هي هذه الأمور الصغيرة؟ وما أمثلتها؟

ربما تكون مثل تمسك الإنسان برأيه‏،‏ وقد يكون خاطئا‏!‏ ومع ذلك لايستشير أحدا‏، وقد يقول له الشيطان‏:‏ وماذا في ذلك؟ أي خطأ فيه؟‏!‏ وهل لابد أن تستشير؟ وهل عقلك لا يكفي؟ وما أعظم عقلك‏!..‏ وهكذا يسلك حسب هواه ويسقط‏..‏

وقد تكون الأمور الصغيرة مثل التساهل قليلا مع الحواس والقراءات والسماعات ظانا انها لاتأثير لها عليه‏!‏ بينما قد يضره ذلك‏.‏ وماتجلبه الحواس ينغرس في عقله الواعي وفي عقله الباطن‏،‏ وتكون له ثماره الخطيرة‏،‏ ولو بعد حين‏..‏ إن الأمور الصغيرة قد لاتكون صغيرة فعلا‏،‏ بل الشيطان يسميها هكذا‏،‏ وربما توصل إلي أخطر النتائج‏.‏ إن الإنسان ينظر إلي الزنا والسرقة والكذب‏،‏ وما أشبه علي انها من الكبائر‏،‏ ولكنه لا ينظر بنفس الاعتبار إلي خطايا الفكر أو خطايا اللسان‏،‏ ويعتبرها من الأمور الصغيرة‏،‏ وهي ليست كذلك ـ وربما يهلك نتيجة لعدم حرصه في الكلام‏،‏ وتؤخذ لفظة عليه مما يقوله‏،‏ وتكبر وتصير جريمة قذف‏..‏ كما أن فكره ـ الذي يستهين به ـ قد يتحول إلي شهوة تؤدي به إلي السقوط‏.‏

حقا إن شيطان الأمور الصغيرة يمكن أن يهلك الإنسان‏..‏ فيمكن أن تغرق سفينة كبيرة‏،‏ بسبب ثقب صغير في قاعها‏،‏ والإنسان لايكون موته فقط بواسطة وحش كبير يفترسه‏،‏ إنما يكفي لموته ميكروب صغير لايري بالعين المجردة‏..!‏

وأبشع العلاقات بين فتي وفتاة قد تبدأ بعلاقة بريئة جدا‏..‏ ولكنها ـ مع التساهل والدالة ـ تتطور إلي ماهو اسوأ وأخطر حتي تنتهي بخطية كبيرة‏.‏

وعوامل النصب والاحتيال‏،‏ قد تبدأ بأمور بسيطة مثل الثقة مع الطرف الآخر‏، وفي ظل هذه الثقة التوقيع علي أوراق بدون حرص أو شك في النوايا‏.‏ وينتهي الأمر أخيرا بكارثة اقتصادية سببها تلك الأمور التي تبدو صغيرة‏.‏

وقد تبدأ الكارثة الاقتصادية بأمور أخري صغيرة‏، أو تبدو أيضا صغيرة‏،‏ مثل ضمانك لإنسان صديق لك‏،‏ وتوقيعك علي ذلك‏.‏ ثم يسافر ذلك الصديق إلي الخارج ولايعود‏..‏ وتطالب أنت بكل ماعليه من ديون أو مستحقات مالية‏.‏ إن الخلاص من شيطان الأمور الصغيرة يحتاج بالضرورة إلي حياة التدقيق والحرص لئلا تتحول تلك الأمور إلي كبائر تهدد حياتك الروحية‏،‏ وحياتك العملية أيضا‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44624 – يوم الأحد الموافق 8 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 1 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 13 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg

‏‏


Share/Save/Bookmark

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News